باب أحكام الميم الساكنة الميم الساكنة هي الخالية من الحركة، ولها قبل حروف الهجاء ثلاثة أحكام: الحكم الأول: الإخفاء وقد سبق تعريفه، ويكون عند حرف واحد وهو الباء، وتصحبه الغنة. فإذا وقع بعد الميم الساكنة حرف الباء أخفيت الميم مثل: يَعْتَصِم بِاللَّهِ (1) يَوْمَ هُم بَارِزُونَ (2) ويسمى هذا النوع من الإخفاء إخفاء شفويًا لخروج حرفه من الشفة، وذهب جماعة إلى إظهار الميم الساكنة عند الباء إظهارًا تامًا أي: من غير غنة والإخفاء أولى للإجماع على إخفائها عند القلب، فقد أجمعوا على إخفاء الميم الساكنة المقلوبة عن النون الساكنة أو التنوين -كما تقدم في الإقلاب-. ووجه الإخفاء أنهما لما اشتركا في المخرج واتفقا في بعض الصفات ثقل الإظهار والإدغام المحض فعدل إلى الإخفاء، ودليله من التحفة: فالأولُ الإخفاءُ عند الباءِ وَسَمِّهِ الشَّفويَّ للقُرَّاءِ الحكم الثاني: الإدغام وجوبًا بغنة في ميم مثلها، مثل: خَلَقَ لَكُم مَا فِي الأَرْضِ (3) ويسمى هذا النوع من الإدغام إدغام مثلين صغيرا، ودليله كذلك: والثانِ إدغامٌ بمثلها أتى وسمِّ إدغامًا صغيرًا يا فتى الحكم الثالث : الإظهار وجوبًا من غير غنة عند بقية الحروف: وهي ستة وعشرون حرفًا مثل: مَمْنُونٍ (4) لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (5) ويسمى هذا النوع من الإظهار إظهارًا شفويًا. وقد حذر صاحب التحفة من إخفاء الميم الساكنة عند الواو والفاء مع أنهما من حروف الإظهار الستة والعشرين؛ لئلا يتوهم أن الميم تخفى عندهما كما تخفى عند الباء لاتحادها مخرجًا مع الواو، وقربها مخرجًا من الفاء. هذا وإنما لم تدغم الميم في مقاربها من أجل الغنة التي فيها؛ لأنها لو أدغمت لذهبت غنتها فكان إخلالا وإجحافا بها؛ فأظهرت لذلك، ولم تدغم كذلك في الواو وإن تجانسا في المخرج خوفًا من اللبس فلا يعرف هل هى ميم أو نون؟ ولا في الفاء لقوة الميم وضعف الفاء، والقوي لا يدغم في الضعيف. قال الجمزوري في التحفة: والثالثُ الإظهارُ في البقيَّهْ من أحرف وسَمِّها شفويهْ واحذر لدى واوٍ وفا أن تختفي لقربها والاتحادِ فاعرفِ هذا وقد جمع صاحب لآلئ البيان أحكام الميم الساكنة في بيت واحد فقال: وأخف أحرى عندبا وأدغما في الميم والإظهارُ مع سواهما تنبيه: قد علمت مما تقدم في باب الصفات اللازمة للحروف عند الكلام على صفة "الغنة" أن النون والميم المشددتين تتصفان بالغنة الكاملة المقدرة بحركتين، وأن الغنة فيهما في حالة تشديدهما في أعلى مراتبها، ويسمى كل منهما حرف غنة مشددًا. وقدروا الحركة بقبض الأصبع، أو بسطه، بحالة متوسطة. __________ (1) سورة آل عمران: الآية (101). (2) سورة غافر: الآية (16). (3) سورة البقرة: الآية (29). (4) سورة فصلت: الآية (8). (5) سورة البقرة: الآية (21).